فصل: وفاة الكامل وولاية ابنه العادل بمصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 وفاة الكامل وولاية ابنه العادل بمصر

و استيلاء ابنه الآخر نجم الدين أيوب على دمشق ثم توفي الكامل بن العادل صاحب دمشق ومصر والجزيرة سنة خمس وثلاثين بدمشق لستة أشهر من وفاة أخيه الأشرف فانفض الملوك راجعين كل إلى بلاده المظفر إلى حماة والناصر إلى الكرك وبويع بمصر ابنه العادل أبو بكر فنصب العساكر بدمشق الجواد يونس ابن عمه مودود بن العادل نائباً عنه وسار الناصر داود إلى دمشق ليملكها فبرز إليه الجواد يونس وهزمه‏.‏ وتمكن في ملك دمشق وخلع طاعة العادل بن الكامل وراسل الصالح أيوب في أن يملكه دمشق وينزل له الصالح عن البلاد الشرقية التي ولاه أبوه عليها فسار الصالح لذلك سنة ست وثلاثين وملك دمشق‏.‏ وسار يونس إلى البلاد الشرقية فاستولى عليها ولم تزل بيده إلى أن زحف إليه لؤلؤ صاحب الموصل وغلبه عليها واستقرت دمشق في يد الصالح‏.‏ ولما أخذ لؤلؤ البلاد من يونس الجواد سار عن القفر إلى غزة فمنعه الصالح من الدخول إليها فدخل الإفرنج بعكا وباعوه من الصالح إسماعيل صاحب دمشق فاعتقله وقتله انتهى والله أعلم‏.‏ ثم زحف التتر إلى أذربيجان واستولوا على جلال الدين وقتلوه سنة ثمان وعشرين وانفض أصحابه وذهبوا في كل ناحية وسار جمهورهم إلى بلاد الروم فنزلوا على علاء الدين كيقباد ملكها حتى إذا مات وملك ابنه كنخسرو ارتاب بهم وقبض على أمرائهم وانفض الباقون عنه وعاثوا في الجهات فاستأذن الصالح أيوب صاحب سنجار وما إليها أباه الكامل صاحب مصر في استخدامهم ليحسم عن البلاد ضررهم فاجتمعوا عنده وأفاض فيهم الأرزاق‏.‏ ولما توفي الكامل سنة خمس وثلاثين انتقضوا عن الصلح وخرجوا فاكتسحوا النواحي‏.‏ وسار لؤلؤ إلى سنجار فحاصر الصالح فبعث الصالح الخوارزمية فاستمالهم وأقطعهم حران والرها ولقي بهم لؤلؤاً فهزمه وغنم معسكره والله تعالى أعلم‏.‏

 مسير الصالح إلى مصر واعتقل الناصر له بالكرك

لما ملك العادل بمصر بعد أبيه اضطرب عليه أهل الدولة وبلغهم استيلاء أخيه الصالح على دمشق فاستدعوه ليملكوه فبعث عن عمه الصالح إسماعيل من بعلبك ليسير معه فاعتذر عن الوصول‏.‏ وسار الصالح أيوب وولى على دمشق ابنه المغيث فتح الدين عمر‏.‏ ولما فصل عن دمشق خالفه إليها عمه الصالح إسماعيل فملكها ومعه شيركوه صاحب حمص وقبض على المغيث فتح الدين بن الصالح أيوب‏.‏ وبلغ الخبر إليه وهو بنابلس فانفضت عنه العساكر ودخل نابلس‏.‏ وجاءه الناصر داود من الكرك فقبض عليه واعتقله وبعث فيه أخوه العادل فامتنع من تسليمه إليه‏.‏ ثم قصد داود القدس فملكها من يد الإفرنج وخرب القلعة والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

 وفاة شيركوه صاحب مصر

وولاية ابنه إبراهيم المنصور ثم توفي المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص سنة ست وثلاثين وكانت ولايته أول المائة السابعة وولي من بعده ابنه إبراهيم ويلقب بالمنصور والله أعلم‏.‏

 خلع العادل واعتقاله واستيلاء أخيه الصالح أيوب على مصر

ولما رجع الناصر داود من فتح القدس أطلق الصالح نجم الدين أيوب من الاعتقال فاجتمعت إليه مواليه واتصل اضطراب أهل الدولة بمصر على أخيه العادل فكاتبوا الصالح واستدعوه ليملكوه فسار معه الناصر داود وانتهى إلى عزة وبرز العادل إلى بلبيس وكتب إلى عمه الصالح بدمشق يستنجده على أخيه أيوب فسار من دمشق وانتهى إلى الغور‏.‏ ثم وثب بالعادل في معسكره مواليه ومقدمهم أيبك الأسمر وقبضوا عليه‏.‏ وبعثوا إلى الملك الصالح فجاء ومعه الناصر داود صاحب الكرك فدخل القلعة سنة سبع وثلاثين واستقر في ملكه‏.‏ وارتاب منه الناصر داود فلحق بالكرك‏.‏ واستوحش من الأمراء الذين وثبوا بأخيه فاعتقلهم وفيهم أيبك الأسمر وذلك سنة ثمان وثلاثين وحبس أخاه العادل إلى أن هلك في محبسه سنة خمس وأربعين‏.‏ ثم اختط قلعة بين سعي التيل إزاء المقياس واتخذها مسكناً وأنزل بها حامية من مواليه فكانوا يعرفون بالبحرية آخر أيامهم انتهى والله أعلم‏.‏ فتنة الخوارزمية ثم كثر عيث الخوارزمية بالبلاد المشرقية وعبروا الفرات وقصدوا حلب فبرزت إليهم عساكرها مع المعظم تورانشاه بن صلاح الدين فهزموه وأسروه‏.‏ وقتلوا الصالح بن الأفضل صاحب سميساط وكان في جملته‏.‏ وملكوا منبج عنوة ورجعوا‏.‏ ثم ساروا من حران وعبروا من ناحية الرقة وعاثوا في البلاد‏.‏ وجمع أهل حلب العساكر وأمدهم الصالح إسماعيل عن دمشق بعسكر مع المنصور إبراهيم صاحب حمص وقصدوا الخوارزمية فانقلبوا إلى حران‏.‏ ثم تواقعوا مع العساكر فانهزموا واستولى عسكر حلب على حران والرها وسروج والرقة ورأس عين وما إليها‏.‏ وخلص المعظم تورانشاه فبعث به لؤلؤ صاحب الموصل إلى عسكر حلب‏.‏ ثم سار عسكر حلب إلى آمد وحاصروا المعظم تورانشاه وغلبوه على آمد‏.‏ وأقام بحصن كيفا إلى أن هلك أبوه بمصر واستدعي لملكها فسار لذلك وولى ابنه الموحد عبد الله بكيفا إلى أن غلب التتر على بلاد الشام‏.‏ ثم سار الخوارزمية سنة أربعين مع المظفر غازي صاحب ميافارقين من قتال صاحب حلب ومعهم المنصور إبراهيبم صاحب حمص فانهزموا وغنمت العساكر سوادهم والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ أخبار حلب قد كان تقدم لنا ولاية الظاهر غازي على حلب بعد وفاة أبيه‏.‏ ثم توفي سنة أربع وثلاثين ونصب أهل الدولة ابنه الناصر يوسف في كفالة جدته أم العزيز صفية خاتون بنت العادل ولؤلؤ الأرمني وإقبال الخاتوني وعز الدين بن مجلي قائمون بالدولة في تصريفها‏.‏ وما زالت تجهز العساكر لدفاع الخوارزمية وتفتح البلاد إلى أن توفيت سنة أربعين واستقل الناصر بتدبير ملكه وصرف النظر في أموره لجمال الدين إقبال الخاتوني والله أعلم‏.‏ فتنة الصالح أيوب مع عمه الصالح إسماعيل على دمشق واستيلاء أيوب آخراً عليها قد كان تقدم لنا أن الصالح إسماعيل بن العادل خالف الصالح أيوب على دمشق عند مسيره إلى مصر‏.‏ فملك دمشق سنة ست وثلاثين وكان بعد ذلك اعتقال الصالح بالكرك ثم استيلاؤه على مصر سنة سبع وثلاثين وبقيت الفتنة متصلة بينهما‏.‏ وطلب الصالح إسماعيل صاحب دمشق من الإفرنج المظاهرة على أيوب صاحب مصر على أن يعطيهم حصن الشقيف وصفد فأمضى ذلك ونكره مشيخة العلماء بعصره‏.‏ وخرج من دمشق عز الدين بن عبد السلام الشافعي ولحق بمصر فولاه الصالح خطة القضاء بها‏.‏ ثم خرج بعده جمال الدين بن الحاجب المالكي إلى الكرك ولحق بالإسكندرية فمات بها‏.‏ ثم تداعى ملوك الشام لفتنة الصالح أيوب واتفق عليها إسماعيل الصالح صاحب دمشق والناصر يوسف صاحب حلب وجدته صفية خاتون وإبراهيم المنصور بن شيركوه صاحب حمص‏.‏ وخالفهم المظفر صاحب حماة وجنح إلى ولاية نجم الدين أيوب وأقام حالهم في الفتنة على ذلك‏.‏ ثم جنحوا إلى الصلح على أن يطلق صاحب دمشق فتح الدين عمر بن نجم الدين أيوب الذي اعتقله بدمشق فلم يجب إلى ذلك واستجدت الفتنة‏.‏ وسار الناصر داود صاحب الكرك مع إسماعيل الصالح صاحب دمشق واستظهروا بالإفرنج وأعطاهم إسماعيل القدس على ذلك‏.‏ واستنجد بالخوارزمية أيضاً فأجابوه واجتمعوا بغزة‏.‏ وبعث نجم الدين العساكر مع مولاه بيبرس وكانت له ذمة باعتقاله معه فتلاقوا مع الخوارزمية وجاءت عساكر مصر مع المنصور إبراهيم بن شيركوه ولاقوا الإفرنج من عكا فكان الظفر لعساكر مصر والخوارزمية واتبعوهم إلى دمشق وحاصروا بها الصالح إسماعيل إلى أن جهده الحصار وسأل في الصلح على أن يعوض عن دمشق ببعلبك وبصرى والسواد فأجابه أيوب إلى ذلك‏.‏ وخرج إسماعيل من دمشق إلى بعلبك سنة ثمان وأربعين‏.‏ وبعث نجم الدين إلى حسام الدين علي بن أبي علي الهدباني وكان معتقلاً عند إسماعيل بدمشق فشرط نجم الدين إطلاقه في الصلح الأول فأطلقه وبعث إليه بالنيابة عنه بدمشق فقام بها‏.‏ وانصرف إبراهيم المنصور إلى حمص وانتزع صاحب حماة سلمية فملكها‏.‏ واشتط الخوارزمية على الهدباني في دمشق في الولايات والإقطاعات وامتعضوا لذلك فسار بهم الصالح إسماعيل إلى دمشق موصلاً الكرة ومعه الناصر صاحب الكرك فقام الهدباني في دفاعهم أحسن قيام‏.‏ وبعث نجم الدين من مصر إلى يوسف الناصر يستنجده على دفع الخوارزمية عن دمشق فسار في عساكره ومعه إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص فهزموا الخوارزمية على دمشق سنة أربع وأربعين وقتل مقدمهم حسام الدين بركت خان وذهب بقيتهم مع مقدمهم الآخر كشلو خان فلحقوا بالتتر واندرجوا في جملتهم وذهب أثرهم من الشام واستجار إسماعيل الصالح وكان معهم بالناصر صاحب حلب فأجاره من نجم الدين أيوب‏.‏ وسار حسام الدين الهدباني بعساكر دمشق إلى بعلبك وتسلمها بالأمان وبعث بأولاد إسماعيل ووزيره ناصر الدين يغمور إلى نجم الدين أيوب فاعتقلهم بمصر‏.‏ وسارت عساكر الناصر يوسف صاحب حلب إلى الجزيرة فتواقعوا مع لؤلؤ صاحب الموصل فانهزم لؤلؤ وملك الناصر نصيبين ودارا أو قرقيسيا وعاد عسكره إلى حلب والله تعالى أعلم‏.‏ ثم بعث الصالح عن حسام الدين الهدباني من دمشق وولى مكانه جمال الدين بن مطروح‏.‏ ثم سار إلى دمشق سنة خمس وأربعين واستخلف الهدباني على مصر‏.‏ ولما وصل إلى دمشق جهز فخر الدين بن الشيخ بالعساكر إلى عسقلان وطبرية فحاصرهما مدة وفتحهما من يد الإفرنج ووفد على الصالح بدمشق المنصور صاحب حماة وكان أبو المظفر توفي سنة ثلاث وأربعين وولى المنصور ابنه هذا واسمه محمد‏.‏ ووفد أيضاً الأشرف موسى صاحب حمص وقد كان أبوه إبراهيم المنصور توفي سنة أربع وأربعين قبلها بدمشق وهو ذاهب إلى مصر وافداً على الصالح أيوب‏.‏ وأقام بحمص ابنه مظفر الدين موسى ولقب الأشرف‏.‏ وجاءت عساكر حلب سنة ست وأربعين مع لؤلؤ الأرمني وحصروا مصر شهرين وملكوها من يد موسى الأشرف وأعاضوه عنها تل باشر من قلاع حلب مضافة إلى الرحبة وتدمر وكانتا بيده مع حمص‏.‏ وغضب لذلك الصالح فسار من مصر إلى دمشق وجهز العساكر إلى حصار حمص مع حسام الدين الهدباني وفخر الدين بن الشيخ فحاصروا مصر مدة‏.‏ وجاء رسول الخليفة المستعصم إلى الصالح أيوب شافعاً فأفرج العساكر عنها وولى على دمشق جمال الدين يغمور وعزل ابن مطروح والله تعالى أعلم‏.‏

  استيلاء الإفرنج عل دمياط

كانت افرنسة أمة عظيمة من الإفرنج والظاهر أنهم أصل الإفرنج‏.‏ وان إفرنسة هي إفرنجة انقلبت السين بها جيماً عندما عربتها العرب وكان ملكها من أعظم ملوكهم لذلك العصر ويسمونه ري الإفرنس ومعنى ري في لغتهم ملك إفرنس‏.‏ فاعتزم هذا الملك على سواحل الشام وسار لذلك كما سار من قبله من ملوكهم‏.‏ وكان ملكه قد استفحل فركب البحر إلى قبرص في خمسين ألف مقاتل وشتى بها‏.‏ ثم عبر سنة سبع وأربعين إلى دمياط وبها بنو كنانة أنزلهم الصالح بها حامية فلما رأوا ما لا قبل لهم به أجفلوا عنها فملكها ري افرنس وبلغ الخبر إلى الصالح بوهو بدمشق وعساكره نازلة بحمص فكر راجعاً إلى مصر وقدم فخر الدين ابن الشيخ أتابك عسكره ووصل بعده فنزل المنصورة وقد أصابه بالطريق وعك واشتد عليه والله تعالى أعلم‏.‏

  استيلاء الصالح على الكرك

كان بين الصالح أيوب وبين الناصر داود ابن عمه المعظم من العداوة ما تقدم وقد ذكرنا اعتقال الناصر له بالكرك فلما ملك الصالح دمشق بعث العساكر مع أتابكة فخر الدين يوسف ابن الشيخ لحصار الكرك‏.‏ وكان أخوه العادل اعتقله وأطلقه الصالح وألزمه بيته ثم جهزه لحصار الكرك فسار إليها سنة أربع وأربعين وحاصرها وملك سائر أعمالها وخربي نواحيها‏.‏ وسار الناصر من الكرك إلى الناصر يوسف صاحب حلب مستجيراً به بعد أن بعث بخيرته إلى المستعصم وكتب له خطه بوصولها‏.‏ وكان قد استخلف على الكرك عندما سار إلى حلب ابنه الأصغر عيسى ولقبه المعظم فغضب أخواه الأكبران الأمجد حسن والظاهر شادي فقبضا على أخيهما عيسى ووفدا على الصالح سنة ست وأربعين وهو بالمنصورة قبالة الإفرنج فملك الكرك والشوبك منهما وولى عليهما بدراً الصواي وأقطعهما بالديار المصرية والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 وفاة الصالح أيوب‏!‏ صاحب مصر والشام وسيد ملوك الترك بمصر

وولاية ابنه تورانشاه وهزيمة الإفرنج وأسر ملكهم ثم توفي الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل سنة سبع وأربعين بمكانه من المنصورة قبالة الإفرنج وخشي أهل الدولة من الإفرنج فكتموا موته وقامت أم ولده شجرة الدر بالأمر وجمعت الأمراء وسيروا بالخبر إلى حسام الدين الهدباني بمصر فجمع الأمراء وقوى جأشهم واستحلفهم‏.‏ وأرسل الأتابك فخر الدين بن الشيخ الخبر إلى المعظم تورانشاه بن الصالح واستدعاه من مكان إمارته بحصن كيفا‏.‏ ثم انتشر خبر الوفاة وبلغ الإفرنج فشرهوا إلى قتال المسلمين ودلفوا إلى المعسكر فانكشف المسلمون وقتل الأتابك فخر الدين‏.‏ ثم أتاح الله الكرة للمسلمين وانهزم الإفرنج ووصل المعظم تورانشاه من مكانه بحصن كيفا لثلاثة أشهر أو تزيد فبايعه المسلمون واجتمعوا عليه واشتدوا في قتال الإفرنج وغلبت أساطيلهم أساطيل العدو‏.‏ وسأل الإفرنج في الإفراج عن دمياط على أن يعاضوا بالقدس فلم يجبهم المسلمون إلى ذلك‏.‏ وسارت سرايا المسلمين من حولهم فيما بين معسكرهم وبين دمياط فرحلوا راجعين إليها‏.‏ وأتبعهم المسلمين فأدركهم الدهش وانهزموا وأسر ملكهم ري افرنس وهو المعروف بالفرنسيس‏.‏ وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفاً‏.‏ واعتقل الفرنسيس بالدار المعروفة بفخر الدين بن لقمان ووكل به الخادم صبيح المعظمي‏.‏ ثم رحل المعظم بعساكر المسلمين راجعاً إلى مصر والله تعالى أعلم‏.‏

 مقتل المعظم تورانشاه وولاية شجرة الدر وفداء الفرنسيس بدمياط

ولما بويع المعظم تورانشاه وكانت له بطانة من المماليك جاء بهم من كيفا فتسلطوا على موالي أبيه وتقسموهم بين النكبة والإهمال‏.‏ وكان للصالح جماعة من الموالي البحرية الذين كان ينزلهم بالدار التي بناها إزاء المقياس وكانوا بطانته وخالصته‏.‏ وكان كبيرهم بيبرس وهو الذي كان الصالح بعثه بالعساكر لقتال الخوارزمية عندما زحفوا مع عمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق‏.‏ وقد مر ذكر ذلك فصارت صاغيته معهم ثم استمالهم الصالح فصاروا معه وزحفوا مع عساكره إلى عساكر دمشق والإفرنج فهزموهم وحاصروا دمشق وملكوها بدعوة الصالح كما مر‏.‏ واستوحش بيبرس حتى بعث إليه الصالح بالأمان سنة أربع وأربعين ولحقه بمصر فحبسه على ما كان منه ثم أطلقه‏.‏ وكان من خواص الصالح أيضاً قلاون الصالحي كان من موالي علاء الدين قرا سنقر مملوك العادل وتوفي سنة خمس وأربعين وورثه الصالح بحكم الولاء‏.‏ ومنهم أقطاي الجامدار وأيبك التركماني وغيرهم فأنفوا من استعلاء بطانة المعظم تورانشاه عليهم وتحكمهم فيهم فاعصوصبوا واعتزموا على الفتك بالمعظم‏.‏ ورحل من المنصورة بعد هزيمة الإفرنج راجعاً إلى مصر فلما قربت له الحراقة عند البرج ليركب البحر كبسوه بمجلسه وتناوله بيبرس بالسيف فهرب إلى البرج فأضرموه ناراً فهرب إلى البحر فرموه بالسهام فألقى نفسه في الماء وهلك بين السيف والماء لشهرين من وصوله وملكه‏.‏ ثم اجتمع هؤلاء الأمراء المتولون قتل تورانشاه ونصبوا للملك أم خليل شجرة الدر زوجة الصالح وأم ولده خليل المتوفي في حياته وبه كانت تلقب‏.‏ وخطب لها على المنابر وضربت السكة باسمها ووضعت علامتها على المراسم وكان نص علامتها أم خليل وقدم أتابك على العساكر عز الدين الجاشنكير أيبك التركماني فلما استقرت الدولة طلبهم الفرنسيس في الفداء على تسليم دمياط للمسلمين فاستولوا عليها سنة ثمان وأربعين‏.‏ وركب الفرنسيس البحر إلى عكا وعظم الفتح وأنشد الشعراء في ذلك وتساجلوا‏.‏ ولجمال الدين بن مطروح نائب دمشق أبيات في الواقعة يتداولها الناس لهذا العصر والله تعالى ولي التوفيق وهي قل للفرنسيس إذا جئته مقال صدق عن قؤول فصيح آجرك الله على ما جرى من قتل عباد يسوع المسيح أتيت مصر تبتغي ملكها تحسب أن الزمر بالطبل ريح فساقك الحين إلى أدهم ضاق بهم في ناظريك الفسيح وكل أصحابك أودعتهم بسوء تدبيرك بطن الضريح خمسون ألفاً لا يرى منهم إلا قتيل أو أسير جريح وفقك الله لأمثالها لعلنا من شركم نستريح إن كان باباكم بذار راضياً فرب غش قد أتى من نصيح أوصيكم خيراً به إنه لطف من الله إليكم أتيح لو كان ذا رشد على زعمكم ماكان يستحسن هذا القبيح والطواشي في لغة أهل المشرق هو الخصي ويسمونه الخادم أيضاً والله أعلم‏.‏

  استيلاء الناصر صاحب حلب على دمشق

وبيعة الترك بمصر لموسى الأشرف بن أطسز بن المسعود صاحب اليمن وتراجعهما ثم صلحهما ولما قتل المعظم تورانشاه ونصب الأمراء بعده شجرة الدر زوجة الصالح امتعض لذلك أمراء بني أيوب بالشام وكان بدر الصوابي بالكرك والشوبك ولاه الصالح عليهما وحبس عنده فتح الدين عمر ابن أخيه العادل فأطلقه من محبسه وبايع له‏.‏ وقام بتدبير دولته جمال الدين بن يغمور بدمشق واجتمع مع الأمراء القصرية بها على استدعاء الناصر صاحب حلب وتمليكه فسار وملك دمشق واعتقل جماعة من موالي الصالح‏.‏ وبلغ الخبر إلى مصر فخلعوا شجرة الدر ونصبوا موسى الأشرف بن مسعود أخي الصالح بن الكامل وهو الذي ملك أخوه أطسز واسمه يوسف باليمن بعد أبيهما مسعود وبايعوا له وأجلسوه على التخت وجعلوا أيبك أتابكه‏.‏ ثم انتقض الترك بغزة ونادوا بطاعة المغيث صاحب الكرك فنادى الترك بمصر بطاعة المستعصم وجددوا البيعة للأشرف وأتابكه‏.‏ ثم سار الناصر يوسف بعسكره من دمشق إلى مصر فجهز الأمراء العساكر إلى الشام مع أقطاي الجامدار كبير البحرية ويلقب فارس الدين فأجفلت عساكر الشام بين يديه‏.‏ ثم قبض الناصر يوسف صاحب دمشق على الناصر داود لشيء بلغه عنه وحبسه بحمص وبعث عن ملوك بني أيوب فجاءه موسى الأشرف صاحب حمص والرحبة وتدمر والصالح إسماعيل بن العادل من بعلبك والمعظم تورانشاه وأخوه نصر الدين ابنا صلاح الدين والأمجد حسام الدين والظاهر شادي ابنا الناصر وداود صاحب الكرك وتقي الدين عباس بن العادل واجتمعوا بدمشق‏.‏ وبعث في مقدمته مولاه لؤلؤ الأرمني وخرج أيبك التركماني في العساكر من مصر للقائهم وأفرج عن ولدي الصالح إسماعيل المعتقلين منذ أخذهم الهدباني من بعلبك ليتهم الناس أباهم ويستريبوا به والتقى الجمعان في العباسية فانكشفت عساكر مصر وسارت عساكر الشام في اتباعهم وثبت أيبك وهرب إليه جماعة من عساكر الناصر‏.‏ ثم صدق أيبك الحملة على الناصر فتفرقت عساكره وسار منهزماً وجيء لأيبك بلؤلؤ الأرمني أسيراً فقتله وأسر إسماعيل الصالح وموسى الأشرف وتورانشاه المعظم وأخوه‏.‏ ولحق المنهزمون من عسكر مصر بالبلد وشغر المتبعون لهم من عساكر الشام بهزيمة الناصر وراءهم فرجعوا‏.‏ ودخل أيبك إلى القاهرة وحبس بني أيوب بالقلعة‏.‏ ثم قتل يغمور وزير الصالح إسماعيل المعتقل ببعلبك مع بنيه وقتل الصالح إسماعيل في محبسه‏.‏ ثم جهز الناصر العساكر من دمشق إلى غزة فتواقعوا مع فارس الدين أقطاي مقدم عساكر مصر فهزموهم واستولوا عليها‏.‏ وترددت الرسل بين الناصر وبين الأمراء بمصر واصطلحوا سنة خمسين وجعلوا التخم بينهم نهر الأردن‏.‏ ثم أطلق أيبك حسام الدين الهدباني فسار إلى دمشق وسار في خدمة الناصر‏.‏ وجاءت إلى الناصر شفاعة المستعصم في الناصر داود صاحب الكرك الذي حبسه بحمص فأفرج عنه ولحق ببغداد ومعه ابناه الأمجد والظاهر فمنعه الخليفة من دخولها فطلب وديعته فلم يسعف بها‏.‏ وأقام في أحياء عرية ثم رجع إلى دمشق بشفاعة من المستعصم للناصر وسكن عنده والله تعالى ينصر من يشاء من عباده‏.‏ خلع الأشرفي بن أطسز واستبداد أيبك وأمراء الترك بمصر قد تقدم لنا آنفاً بيعة أمراء التركمان بمصر للأشرف موسى بن يوسف أتسز بن الكامل وإنهم خطبوا له وأجلسوه على التخت بعد أن نصبوا للملك أيبك وكان طموحاً إلى الإستبداد‏.‏ وكان أقطاي الجامدار من أمراء البحرية يدافعه عن ذلك ويغض من عنانه منافسة وغيرة فأرصد له أيبك ثلاثة من المماليك اغتالوه في بعض سكك القصر وقتلوه سنة اثنتين وخمسين‏.‏ وكانت جماعة البحرية ملتفة عليه فانفضوا ولحقوا بالناصر في دمشق واستبد أيبك بمصر وخلع الأشرف وقطع الخطبة له فكان آخر أمراء بني أيوب بمصر وخطب أيبك لنفسه‏.‏ ثم تزوج شجرة الدر أم خليل الملكة قبله فلما وصل البحرية إلى الناصر بدمشق أطمعوه في ملك مصر واستحثوه فتجهز وسار وانتقض عليه‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فتوهموا بالثورة به فارتاب بهم ولحقوا بالناصر‏.‏ ثم ترددت الرسل بين الناصر وأيبك فاصطلحوا على أن يكون التخم بينهم العريش‏.‏ وبعث الناصر إلى المستعصم مع وزيره كمال الدين بن العديم في طلب الخلعة‏.‏ وكان أيبك قد بعث بالهدية والطاعة إلى المستعصم فمطل المستعصم الناصر بالخلعة حتى بعثها إليه سنة خمس وخمسين‏.‏ ثم قتل المعز أيبك قتلته شجرة الدر غيلة في الحمام سنة خمس وخمسين غيرة من خطبته بنت لؤلؤ صاحب الموصل فنصبوا مكانه ابنه علياً ولقبوه المنصور وثاروا به من شجرة الدر كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏

 مسير المغيث بن العادل صاحب الكرك مع البحرية إلى مصر

وإنهزامهم كان البحرية منذ لحقوا بالناصر بعد مقتل أقطاي الجامدار مقيمين عنده ثم ارتاب بهم وطردهم آخر سنة خمس وخمسين فلحقوا بغزة وكاتبوا المغيث فتح الدين عمر بن العادل بالكرك وقد كنا ذكرنا إن بدراً الصوافي أخرجه من محبسه بالكرك بعد مقتل تورانشاه بمصر وولاه الملك وقام بتدبير دولته‏.‏ وبعث إليه الآن بيبرس البندقداري مقدم البحرية من غزة يدعوه إلى الملك وبلغ الخبر إلى الناصر بدمشق فجهز العساكر إلى غزة فقاتلوهم وانهزموا إلى الكرك فتلقاهم المغيث وقسم فيهم الأموال واستحثوه لملك مصر فسار معهم وبرزت عساكر مصر لقتالهم مع قطز مولى أيبك المعز ومواليه فالتقى الفريقان بالعباسية فانهزم المغيث والبحرية إلى الكرك ورجعت العساكر إلى مصر‏.‏ وفي خلال ذلك أخرج الناصر‏.‏ داود بن المعظم من دمشق حاجاً ونادى في الموسم بتوسله إلى المستعصم في وديعته وانصرف مع الحاج إلى العراق فأكرمه المستعصم على براءته من وديعته فكتب وأشهد ولحق بالبرية‏.‏ وبعث إلى الناصر يوسف يستعطفه فأذن له وسكن دمشق‏.‏ ثم رجع مع رسول المستعصم الذي جاء معه إلى الناصر بالخلعة والتقليد فأقام بقرقيسيا حتى يستأذن له الرسول فلم يأذن له فأقام عنده بأحياء العرب في التيه فقربوا في تقلبهم من الكرك فقبض عليه المغيث صاحب الكرك وحبسه حتى إذا زحف التتر لبغداد بعث عنه المستعصم ليبعثه مع العساكر لمدافعتهم وقد استولى التتر على بغداد فرجع ومات ببعض قرى دمشق بالطاعون سنة ست وخمسين انتهى والله تعالى أعلم‏.‏ زحف الناصر صاحب دمشق إلى الكرك وحصارها والقبض على البحرية ولما كان من المغيث والبحرية ما قدمناه ورجعوا منهزمين إلى الكرك بعث الناصر عساكره من دمشق إلى البحرية فالتقوا بغزة وانهزمت عساكر الناصر وظفرت البحرية بهم‏.‏ واستفحل أمرهم بالكرك فسار الناصر بنفسه إليهم بالعساكر من دمشق سنة سبع وخمسين وسار معه صاحب حماة المنصور بن المظفر محمود فنزلوا على الكرك وحاصروها‏.‏ وأرسل المغيث إلى الناصر في الصلح فشرط عليه أن يحبس البحرية فأجاب‏.‏ ونمي الخبر إلى بيبرس أميرهم البندقداري فهرب في جماعة منهم ولحق بالناصر‏.‏ وقبض المغيث على الباقين وبعث بهم إلى الناصر في القيود ورجع الكرك‏.‏ ثم بعث إلى الأمراء بمصر وزيره كمال الدين بن العديم يدعوهم إلى الإتفاق إلى مدافعة التتر‏.‏ وفي أيام مقدم ابن العديم مصر خلع الأمراء على ابن المعز أيبك وقبض عليه أتابك عسكره وموالي أبيه وجلس على التخت وخطب لنفسه وقبض على الأمراء الذين يرتاب منازعتهم كما نذكره في أخبارهم‏.‏ وأعاد ابن العديم إلى مرسله صاحب دمشق بالإجابة والوعد بالمظاهرة والله تعالى ينصر من يشاء من عباده‏.‏

  استيلاء التتر على الشام وانقراض ملك بني أيوب وهلاك من هلك منهم

ثم زحف التتر وسلطانهم هلاكو إلى بغداد واستولى على كرسي الخلافة وقتلوا المستعصم وطمسوا معالم الملة‏.‏ وكادت تكون من أشراط الساعة‏.‏ وقد شرحناها في أخبار الخلفاء ونذكرها في أخبار التتر فبادر الناصر صاحب دمشق بمصانعته وبعث ابنه العزيز محمداً إلى السلطان هلاكو بالهدايا والألطاف فلم يغن ورده بالوعد‏.‏ ثم بعث هلاكو عساكره إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن المظفر شهاب الدين غازي بن العادل الكبير فحاصروها سنتين ثم ملكوها عنوة سنة ثمان وخمسين وقتلوه‏.‏ وبعث العساكر إلى إربل فحاصروها ستة أشهر وفتحوها‏.‏ وسار ملوك بلاد الروم كيكاوس وقليج أرسلان ابنا كنخسرو إلى هلاكو أثر ما ملك بغداد فدخلوا في طاعته ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ وسار هلاكو إلى بلاد أذربيجان ووفد عليه هنالك لؤلؤ صاحب الموصل سنة سبع وخمسين ودخل في طاعته ورده إلى بلده وهلك أثر ذلك‏.‏ وملك الموصل مكانه ابنه الصالح وسنجار ابنه علاء الدين‏.‏ ثم أوفد الناصر ابنه على هلاكو بالهدايا والتحف على سبيل المصانعة واعتذر عن لقائه بالتخوف على سواحل الشام من الإفرنج فتلقى ولده بالقبول وعذره وأرجعه إلى بلده بالمهادنة والمواعدة الجميلة‏.‏ ثم سار هلاكو إلى حران وبعث ابنه في العساكر إلى حلب وبها المعظم تورانشاه ابن صلاح الدين نائباً عن الناصر يوسف فخرج لقتالهم في العساكر‏.‏ وأكمن له التتر واستجروهم ثم كروا عليهم فأثخنوا فيهم ورحلوا إلى أعزاز فملكوها صلحاً‏.‏ وبلغ الخبر إلى الناصر وهو بدمشق معسكر من ثورة سنة ثمان وخمسين‏.‏ وجاء الناصر بن المظفر صاحب حماة فأقام معه ينتظر أمرهم‏.‏ ثم بلغه أن جماعة من مواليه اعتزموا على الثورة به فكر راجعاً إلى دمشق ولحق أولئك الموالي بغزة‏.‏ ثم أطلع على خبثهم وأن قصدهم تمليك أخيه الظاهر فاستوحش منهم ولحق الظاهر بهم فنصبوه للأمر واعصوصبوا عليه‏.‏ وكان معهم بيبرس البندقداري وشعر بتلاشي أحوالهم فكاتب المظفر صاحب مصر واستأمن إليه فأمنه‏.‏ وسار إلى مصر فتلقي بالكرامة وأنزل بدار الوزارة وأقطعه السلطان قطر قليوب بأعماله‏.‏ ثم هرب هلاكو إلى الفرات فملك وكان بها إسماعيل أخو الناصر معتقلاً فأطلقه وسرحه إلى عمله بالضبينة وبانياس وولاه عليهما‏.‏ وقدم صاحب أرزن إلى تورانشاه نائب حلب يدعوه إلى الطاعة فامتنع فسار إليها وملكها عنوة وأمنها‏.‏ واعتصم تورانشاه والحامية بالقلعة‏.‏ وبعث أهل حماة بطاعتهم إلى هلاكو وأن يبعث عليهم نائباً من قبله ويسمى برطانتهم الشحنة‏.‏ فأرسل إليهم قائداً يسمى خسروشاه وينسب في العرب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه‏.‏ وبلغ الناصر أخذ حلب فأجفل عن دمشق واستخلف عليها وسار إلى غزة واجتمع عليه مواليه وأخوه‏.‏ وسار التتر إلى نابلس فملكوها وقتلوا من كان بها من العسكر‏.‏ وسار الناصر من غزة إلى العريش وقدم رسله إلى قطز تسأله النصر من عدوهم واجتماع الأيدي على المدافعة‏.‏ ثم تقدموا إلى واستراب الناصر بأهل مصر فسار هو وأخوه الظاهر ومعهما الصالح بن الأشرف موسى بن شيركوه إلى التيه فدخلوا إليه وفارقهم المنصور صاحب حماة والعساكر إلى مصر فتلقاهم السلطان قطز بالصالحية وآنسهم ورجع بهم إلى مصر‏.‏ واستولى التتر على دمشق وسائر بلاد الشام إلى غزة وولوا على جميعها أمرائهم‏.‏ ثم افتتحت قلعة حلب وكان بها جماعة من البحرية معتقلين منهم سنقر الأشقر فدفعهم هلاكو إلى السلطان جق من أكابر أمرائه‏.‏ وولى على حلب عماد الدين القزويني ووفد عليه بحلب الأشرف موسى بن منصور بن إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص وكان الناصر قد أخذها منه كما قدمناه فأعادها عليه هلاكو ورد جميع ولايته بالشام إلى رأيه‏.‏ وسار إلى قلعة حارم فملكها واستباحها وأمر بتخريب أسوار حلب وقلعتها وكذلك حماة وحمص وحاصروا قلعة دمشق طويلاً ثم تسموها بالأمان‏.‏ ثم ملكوا بعلبك وهدموا قلعتها وسار معهم إلى الضبينة وبها السعيد بن العزيز بن العادل فملكوها منه على الأمان‏.‏ وسار معهم ووفد على هلاكو فخر الدين بن زنكي من أهل دمشق فولاه القضاء بها‏.‏ ثم اعتزم هلاكو على الرجوع إلى العراق فعبروا الفرات وولى على الشام أجمع أميراً اسمه كتبغا من أكابر أمرائه واحتمل عماد الدين القزويني من حلب وولى مكانه آخر‏.‏ وأما الناصر فلما دخل في التيه هاله أمره وحسن له أصحابه قصد هلاكو فوصل إلى كتبغا نائب الشام يستأذنه‏.‏ ثم وصل فقبض عليه وسار به إلى حتى سلمها إليه أهلها‏.‏ وبعث به إلى هلاكو فمر بدمشق ثم بحماة وبها الأشرف صاحب حمص وخسروشاه نائبها فخرجا لتلقيه‏.‏ ثم مر بحلب ووصل إلى هلاكو فأقبل عليه ووعده برده إلى ملكه‏.‏ ثم ثار المسلمون بدمشق بالنصارى أهل الذمة وخربوا كنيسة مريم من كنائسهم وكانت من أعظم الكنائس في الجانب الذي فتحه خالد بن الوليد رحمه الله‏.‏ وكانت لهم أخرى في الجانب الذي فتحه أبو عبيدة بالأمان‏.‏ ولما ولي طالبهم في هذه الكنيسة ليدخلها في جامع البلد وأعلى لهم في السوم فامتنعوا فهدمها وزادها في الجامع لأنها كالت لصقه‏.‏ فلما ولي عمر بن عبد العزيز استعاضوه فعوضهم بالكنيسة التي ملكها المسلمون بالعنوة مع خالد بن الوليد رحمه الله وقد تقدم ذكر هذه القصة‏.‏ فلما ثار المسلمون الآن بالنصارى أهل الذمة خربوا كنيسة مريم هذه ولم يبقوا لها أثراً‏.‏ ثم إن العساكر الإسلامية أجمعت بمصر وساروا إلى الشام لقتال التتر صحبة لسلطان قطز صاحب ومعه المنصور صاحب حماة وأخوه الأفضل فسار إليه كتبغا نائب الشام ومعه الأشرف صاحب حمص والسعيد صاحب الضبينة ابن العزيز بن العادل والتقوا على عين جاولت بالغور فانهزم التتر وقتك أميرهم النائب كتبغا وأسر السعيد صاحب الضبينة فقتله قطز واستولى على الشام أجمع‏.‏ وأقر المنصور صاحب حماة على بلده ورجع إلى مصر فهلك في طريقه قتله بيبرس البندقداري وجلس على التخت مكانه وتلقب بالظاهر حسبما يذكر ذلك كله في دولة الترك‏.‏ ثم جاءت عساكر التتر إلى الشام وشغل هلاكو عنهم بالفتنة مع قومه وأسف على قتل كتبغا نائبه وهزيمة عساكره فأحضر الناصر ولامه على ما كان منه من تسهيله عليه أمر الشام وتجنى عليه بأنه غره بذلك فاعتذر له الناصر فلم يقبل فرماه بسهم فأنفذه‏.‏ ثم أتبعه بأخيه الظاهر وبالصالح بن الأشرف موسى صاحب حمص‏!‏ وشفعت زوجة هلاكو في العزيز بن الناصر وكان مع ذلك يحبه فاستبقاه‏.‏ وانقرض ملك بني أيوب من الشام كما انقرض قبلها من مصر واجتمعت مصر والشام في مملكة الترك ولم يبق لبني أيوب بهما ملك إلا للمنصور بن المظفر صاحب حماة فإن قطز أقره عليها والظاهر بيبرس من بعده وبقي في إمارته هو وبنوه مدة من دولة الترك وطاعتهم حتى أذن الله بانقراضهم وولى عليها غيرهم من أمرائهم كما نذكر في أخبار دولتهم والله وارث الأرض ومن عليها والعاقبة للمتقين‏.‏